السيدة خديجة :
فالسيدة خديجة لما أصبحت مع النبي صلي الله عليه وسلم أتاها جبريل وقال :
من هذه يا محمد ؟ وجبريل أعلم بها , قال هذه خديجة , قال : أقرها مني السلام ,
هكذا نص الحديث , وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب .
قال أهل العلم : أما قوله : فبشرها
ببيت في الجنة ؛ لأنها أصلحت بيت الرسول صلي الله عليه وسلم في الدنيا ؛ فكان
جزائها أن يُهيئ الله لها بيت في الجنة , أما قوله لا صخب فيه : لأن الصخب هو
الضجيج والصياح ؛ وهي التي هدأت من بيت رسول الله صلي الله عليه وسلم وأدخلت فيه
السكينة والأمن فجزاها الله جل وعلا ببيت لا صخب فيه , ولا نصب : أي لا تعب لأنها
لم تُتعب محمد صلي الله عليه وسلم , وهي المرأة العظيمة التي كانت مع الرسول صلي
الله عليه وسلم , هي التي يوم أن فقدها صلي الله عليه وسلم حن لها وبكي وتأثر ,
وكان حتى يحسن إلي صديقاتها بعد ما ماتت ويتبعها بالوفاء حتى مات هو صلي الله عليه
وسلم , وكان يدعوا لها في صلواته , ويذكر أيامه معها ؛ واسته ووقفت معه , وقالت له
الكلمة المشهورة التي شرحها العلماء قالت مخاطبة رسول الله صلي الله عليه وسلم أول
ما نزل الوحي : كلا والله لا يخزيك أبداً إنك لتصل الرحم , وتحمل الكل , وتعين علي
نوائب الحق وتكسب المعدوم , فجزاها الله خيراً
.
يقول صلي الله عليه وسلم أين أم محجم ؟ أم محجم جارية سوداء كانت تكنس
المسجد فتوفيت في الظهيرة والرسول صلي الله عليه وسلم نائم كان في قيلولة فأتي
الصحابة فغسلت أم محجم وصلوا عليها ودفنوها , فقال الرسول صلي الله عليه وسلم :
أين أم محجم فما أراها هذا اليوم تكنس المسجد وتطيبه وتبخره – هذا .... صناع
الحياة حتى محمد أحمد الرث له كتاب صناعة الحياة قال كله يشارك في الحياة حتى أم
محجم .
المرأة الصالحة والكاتب الصالح الشاعر الصالح العالم الطبيب المهندس ,
المرأة الفاضلة في تخصصها , الموجهة , المربية , ربة المنزل , كل هؤلاء يشاركون في
صنع الحياة .
قالوا : يا رسول الله ماتت ودفناها , قال صلي الله عليه وسلم : أولا
أخبرتموني قوموا بنا إلي قبرها , فقام صلي
الله عليه وسلم فصلي علي قبرها , ودعا لها جزاءاً لذاك الجميل الذي قدمته للإسلام
, أم محجم دخلت الجنة من أنها تكنس المسجد في سبيل الله سبحانه وتعالي .
وأما فاطمة الزهراء :
فالحديث عنها لا ينتهي رضي الله
عنها وأرضها وجزاها الله عنا وعن الإسلام خير الجزاء – أشرف امرأة في العالم وأطهر
مولودة في التاريخ , امرأة أمير المؤمنين أبي الحسن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه
.
يقول أهل السير والتفسير :أن عليّا غاب من بيت فاطمة يأخذ طعاما وكسبا
ورزقا , فعمل عند يهودي فأعطاه شيئا من شعير , فأتي به حبا , فطحنته فاطمة .
انظر الحياة البسيطة غرف من طين وقطعة من الفرش الذي هو فرو , وجلد الأغنام
, وكعب وجفنة وشيء من دقيق الشعير.
هذا هو بيت الإيمان هذا هو بيت النور هذا هو بيت الهداية في العالم , لكن
مع تقوي وهداية , هذا بيت عليّ بن أبي طالب الذي سجل له التاريخ أروع مواقف في
الإسلام , فأتي عليّ وهو صائم وهي صائمة فقال اصنعي لنا هذا الرغيف فلما انتهت
فإذا بيتيم عند الباب يسأل ؛ فأعطته الرغيف , حكمة من عند الله , والدقيق كله
ثلاثة أرغفة , فصنعت الثاني , ولما انتهت فإذا بأسير عند الباب يطلب ؛ فأعطته
الرغيف الثاني .
وصنعت الثالث , فإذا بفقير عند الباب فأعطته , وبقيا بلا طعام إلا علي شيء
من تمر وفي الصباح أنزل الله جبريل بقوله تعالي : { وَيُطْـعِمُـونَ الطَّعَامَ عَلَى حُـبِّهِ مِسْـكِينًا
وَيَتِيمًا وَأَسِيِرًا * إِنَّـمَا نُطْعِـمُكُـمْ لِوَجْهِ الله لَا نُرِيدُ مِنـكُـمْ جَزَاء
وَلَا شُـكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّـنَا يَـوْمًا عَبْـوسًا قَمْـطَرِيرًا * فَوَقَـاهُـمُ الله
شَرَّ ذَلِكَ الْيَـوْمِ وَلَـقَّاهُـمْ نَضْرَةً وّسُـرُورًا } [الإنسان 8 : 11 ]
يقول ابن الجوزي الواعظ الكبير الشهير : لماذا لم يذكر الحور العين ؟! لأن
الله إذا ذكر نعيم الجنة ذكر الحور العين , والآن ذكر الحرير والإستبرق والسلسبيل
, وذكر الذهب والفضة , ولم يذكر الحور العين قال : لأن المدح في فاطمة , ولئلا
تغار بمدح الحور العين .
قال فلما كان المدح في أهل البيت نقص من القصيدة بيت هذا من لطائف التفسير
, فهذا مدح .
وقال لعليّ : سوف تدخل أنت وفاطمة , وسوف يجازيك الله أحسن الجزاء وسوف
تنعم جزاء هذا الجهد .
زكم مر بنا من نعيم , وكم من وجبات وكم من يشبع الآن ويصاب بتخمة , وفقراء
المسلمين والفقيرات والحسيرات واليتيمات والأطفال الضائعين في الخيام وعلي الأرصفة
لا يجدون كسرة خبز .
قال الرسول صلي الله عليه وسلم " لا يؤمن من بات شبعان وجاره جائع
" , والله إن في مجتمع , وفي الناس من لا يجد اللحم شهرا كاملا , ومنهم من ينام في الحر لا يجد ما
يكيف عليه , ولا يجد الماء البارد ولا يجد المشروبات من عصائر وغيرها ولا يجد
الأغطية ولا الأكسية .
وإن كثير من الناس المسرفون والمضيعون وهم يحرقون الأموال والدراهم إحراقا
من الإسراف البذخ , وهذه بضريبتها عند الله الواحد الأحد , وهي ضريبية الذي يضيع
ماله ويضيع مستقبله مع الله سبحانه وتعالى أن يحرم من النعيم والاستقرار والأمن في
الدنيا جزاء ما استأثر علي إخوانه المؤمنين ويحاسب عليها في الآخرة .