المـقـدمـة
إن الحمد لله نحمده , ونستعينه , ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنـا ومن سيئـات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمد عبده ورسوله .
{ يـَـا أَيـُّــهــَا الَّذيِنَ آمـَنـُوا اتـَّـقـُـوا اللهَ حَــقَّ تُــقَــاتِــهِ وَلا تَـــمُــوتُــنَّ إِلاَّ وَأَنــتُــم مُّــسْلِـمُــونَ } (آل عمران : 102)
{ يـَـا أَيـُّــهــَا النَّــاسُ اتـَّـقـُـوا رَبـَّــكُــمُ الَّذِي خَـلَـقَــكُـم مّـِن نَّــفْــس ٍ وَاحــِدَة ٍ وَخَـلَــقَ مِـنـْهَـا زَوْجَـهَا وَبَثَّ مـِنـْهُمَا رِجَــالاً كَثـِـيـراً وَنـِــسـَاءً و اتـَّـقـُـوا اللهَ الَّذِي تـَــسـَاءَلُونَ بـِـهِ وَالأَرْحــَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عــَلَـيـْكُـمْ رَقـِيباً } (النساء :1)
{ يـَـا أَيـُّــهــَا الَّذيِنَ آمـَنـُوا اتـَّـقـُـوا اللهَ وَقُــولُــوا قَــولْاً سَـــديـِداً * يـُـصـْـلـِـحْ لَــكُـمْ أَعْــمَالَـكُـمْ وَيَـغـْـفـِرْ لَــكُـمْ ذُنـُوبـَـكُـمْ وَمَـن يــُــطـِــعِ اللهَ وَرَسـُــولَــهُ فَـقَـدْ فَـازَ فَـوْزاً عَـظـِـيـمـُا } ( الأحزاب : 70 – 71 )
أمـا بـعد :
النبي صلي الله عليه وسلم أرسله الله تعالى رحمة للعالمين , وأرسله الله تعالى مبشرا ونذيرا , وكل نبي له معجزات , لكي تكون حجة علي قومه , أما معجزات المصطفي صلي الله عليه وسلم فلا يستطيع كاتب أن يحصيها . لذلك أدليت بدلوي وأخرجت لك كتابنا (65) معجزة من معجزات الرسول صلي الله عليه وسلم , أقرأ وتدبر ولله الحمد والمنة . . .
الشيخ / علي أحمد عبد العال الطهطاوي.
رئيس جمعية أهل القرآن والسنة.
قصيدة في معجزاته صلي الله عليه وسلم
وقد بلغت معجزاته صلي الله عليه وسلم ألفي معجزة وقيل ألف معجزة .وتمتاز هذه المعجزات بأنه ما من معجزة أعطيها نبي قبله عليه الصلاة والسلام إلا وأوتي مثلها بل أكثر ,وصدق من قال :
محمد المبعوث للناس رحمة
يشيد ما أوهى الضلال ويُصِلحُ
لئِن سَّبحت صُمُّ الجبال مجيبةٌ
لداود أو لان الحديدُ المصفحُ
فإن الصخور الصم لانت بكفهِ
وإن الحصى فى كفه ليُسبحُ
وإن كان موسى أنبع الماء من العصا
فمن كفه قد أصبح الماء يطفحُ
وإن كانت الريح الرخاء مطيعة
سليمان تروح وتسرحُ
فإن الصبا كانت لنصر نبينا
برعب على شهر به الخصم يكلحُ(1)
وإن أوتى الملك العظيم وسخرت
له الجنُ تُشفى ما رضيه وتلدحُ(2)
فإن مفاتيح الكنوز بأسرها
أتته فرد الزاهد المترجحُ
وإن كان إبراهيم أعطى خلة
وموسى بتكليم على الصور يمنحُ
فهذا حبيب بل خليل مكلم
وخُصص بالرؤيا وبالحق أشرحُ
وخُصص بالحوض العظيم وباللوا(3)
ويشفع للعاصين والنار يفلحُ
وبالمقعد الأعلى المقرب عنده
عطاءُ ببشراه أقرُ وأفرحُ
وبالرتبة العليا الأسيلة(4) دونها
مراتب أرباب المواهب تلمحُ
ـــــــــــ
(1) يكلح : الوجه زاد عبوسا .(2) يلدح : اللدح الضرب باليد .
(3) وباللوا : أي اللواء .(4) الأسيلة : الناعمة الرقيقة .
1. يأكل ثلاثة آلاف من طعام لا يكفي عشرة ويشبعون والطعام كما هو
ومن معجزاته صلي الله عليه وسلم تكثير الطعام حتى أن طعاماً لا يكفي عشرة كفى ثلاثة آلاف وبقي الطعام كما هو .
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : لما حفر الخندق رأيت من النبي صلي الله عليه وسلم خمصاً(1) فانكفأت إلي امرأتي فقلت : هل عندك شيء فإني رأيت برسول الله صلي الله عليه وسلم خمصاً شديداً , فأخرجت لي جراباً فيه صاع من شعير , ولنا بهيمة داجن فذبحتها فطحنت ففرغت إلي فراغي , وقطعتها في برمتها , ثم وليت إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم فقالت : لا تفضحني برسول الله صلي الله عليه وسلم ومن معه , فجئته فساررته فقلت : يا رسول الله صلي الله عليه وسلم ذبحت بهيمة لنا , وطحنت صاعاً من شعير كان عندنا , فتعال أنت نفر معك .
فصاح رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال : " يا أهل الخندق , إن جابراً قد صنع سـؤراً(2) فهيا بكم " فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : " لا تنزلن برمتكم ولا تخبزن عجينكم حتى أجئ " فجئت وجاء رسول الله صلي الله عليه وسلم يقدم الناس حتى جئت امرأتي , فقالت : بك وبك , فقلت : قد فعلت الذي قلت فأخرجت لنا عجيناً , فبسق فيه وبارك , ثم عمد إلي برمتنا فبسق وبارك ثم قال : " ادع خبازة فلتخبز معك , واقدحي من برمتك , ولا تنـزلوها وهو ألف " فأقسم بالله لأكلوا حتى تركوه , وانحرفوا , وإن برمتنا لتغط كما هي , وإن عجيننا كما هو(3) .
وفي رواية : (دعا أهل الخندق أجمعين )
ولعل رواية ألف : علي ما أمكن عده لدى جابر رضي الله عنه وإلا فـأهل الخنق كانوا ثلاثة آلاف , والكل أكل ببركة رسول الله صلي الله عليه وسلم .
ــــــــــــ
(1)الخمص : ضمور البطن من الجوع.(2)السؤر:بقية الطعام .
(3)صحيح : أخرجه البخاري في كتاب الجهاد وفي المغازى باب غزوة الخندق , ومسلم في الأشربة .
(1)الخمص : ضمور البطن من الجوع.(2)السؤر:بقية الطعام .
(3)صحيح : أخرجه البخاري في كتاب الجهاد وفي المغازى باب غزوة الخندق , ومسلم في الأشربة .
2. قصعة الثريد يأكل منها مئات
عن سمرة بن جندب قال : بينما نحن عن النبي صلي الله عليه وسلم إذ أتى بقصعة فيها ثريد(1) قال : فأكل وأكل القوم فلم يزالوا يتداولونها إلي قريب من الظهر , يأكل قوم ثم يقومون ويجئ قوم فيتعاقبونه , قال فقال له رجل : هل كانت تمد بطعام ؟ قال : أما من الأرض فلا , إلا أن تكون كانت تمد من السمـاء(2) .
ولا شك أنها كانت تمد من السماء .
3. البركة في الشعير .
عن جابر رضي الله عنه أن رجلاً أتى النبي صلي الله عليه وسلم يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير , فما زال الرجل يأكل منه وامرأته وضيفهما حتى كاله , فأتى النبي صلي الله عليه وسلم فقال : " لو لم تكله لأكلتم منه ولقام لكم "(3) .
ـــــــــــــ
(1)الثريد : الخبز المختلط باللحم والأرز ( الفت ).(2)رواه أحمد (5/12 , 18 ).
(3)صحيح : رواه مسلم في كتاب الفضائل (4 / 1784 ).
(3)صحيح : رواه مسلم في كتاب الفضائل (4 / 1784 ).
4. شاه أم معبد التي لا تدر لبن درت .
عن أبي معبد الخزاعي أن النبي صلي الله عليه وسلم خرج ليلة هاجر من مكة إلي المدينة هو وأبو بكر وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر ودليلهم عبد الله بن أريقط ....ثم مر رسول الله صلي الله عليه وسلم في مسيرة ذلك حتى مر بخيمتي أم معبد الخزاعية , وكانت امرأة برزة جلدة تحتبي بفناء الخيمة , ثم تطعم وتسقي من مر بها , فسألاها : " ها عندك شيء ؟ " فقالت : والله لو كان عندنا شيء ما أعوزكم القرى . والشاء عازب(1) , وكانت سنة شهباء , فنظر رسول الله صلي الله عليه وسلم إلي شاة في كسر الخيمة(2) , فقال : " ما هذه الشاة يا أم معبد ؟ " قالت : شاة خلفها الجهد عن الغنم , فقال : هل بها من لبن ؟ " قالت : هي أجهد من ذلك .
فقال : " أتأذنين لي أن أحلبها ؟ قالت : نعم بأبي وأمي , إن رأيت بها جلباً فاحلبها , فمسح رسول الله صلي الله عليه وسلم بيده ضرعها , وسمى الله , ودعا فتفاجت(3) عليه ودرت , فدعا بإناء لها يربض الرهط(4) , فحلب فيه حتى علته الرغوة , فسقاها فشربت حتى رويت , وسقى أصحابه حتى رووا , ثم شرب , وحلب فيه ثانياً , حتى ملأ الإناء , ثم غادره عندها , فارتحلوا , فقلما لبث أن جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزاً عجافاً(5) , يتساوكن(6) هزالاً لا نقى بهن(7) , فلما رأى اللبن , عجب فقال : من أين لك هذا ؟ والشاة عازب , ولا حلوية في البيت ؟ فقالت : لا والله إلا مر بنا رجل مبارك كان حديثه كيت ومن حاله كذا وكذا .
قال : والله إني لأراه صاحب قريش الذي تطلبه , صفيه لي يا أم معبد , قالت : ظاهر الوضاءة ,أبلج الوجه(8) , حسن الخلق , لم تعبه ثجلة(9) , ول تزر به صعلة(10) , وسيم(11) , قسيم(12) , في عينيه دعج(13) , وفي أشفاره وطف(14) , وفي صوته صحل , وفي عنقه سطع , أحور , أكحل , أزج , أقرن , شديد سواد الشعر ,إذا صمت علاه الوقار , وإن تكلم علاه البهاء , أجمل الناس وأبهاهم من بعيد ,وأحسنه وأحلاه من قريب , حلو المنطق , فصل ,لا نزر , ولا هذر , كأن منطقة خرزات نظم يتحدون , ربعة , لا تقحمه عين من قصر , ولا تشنؤه من طول , غصن ببين غصنين , فهو أنضر الثلاثة منظراً وأحسنهم قدراً , له رفقاء يحفون به , إذا قال استمعوا لقوله , وإذا أمر تبادروا إلي أمره , محفود(15) محشود(16) , لا عابس ولا مفند(17) , فقال أبو معبد : والله هذا صاحب قريش الذي ذكروا من أمره ما ذكروا لقد هممت أن أصحبه ولأفعلن إن وجدت غلي ذلك سبيلاً وأصبح صوت مكة عالياً يسمعونه ولا يـرون القائل :
جزي الله رب العرش جزائه
رفيقين حلا خيمتي أم معبـد
هما نزلا بالبـر وارتحلا به
وأفلح من أمسي رفيق محمـد
فيا لقصى ما زوى الله عنكم
به لا بين فعال لا يجارى وسودد
ليهن بني كعب مكان فتاتهم
ومقعدها للمؤمنين بمرصد
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها
فإنك إن تسألوا الشاء تشهد(18)
ـــــــــــــ
(1)الشاء عازب : بعيدة المرعى .(2)كسر الخيمة : جانبها .(3)تفاجت : فرجت ما بين رجليها .(4)يربض الرهط : يرويهم ويثقلهم ويمتدوا علي الأرض. (5)عجافاً : هزالاً .(6)يتساوكن : يتمايلن من شدة الضعف .(7)لا نقي : النقي مخ العظم أي لا قوة فيهن .(8)أبلج الوجه : مشرقة .(9)الثجلة : ضخامة البطن.(10)الصعلة : صغر الرأس .(11)الوسيم : الحسن .(12)قسيم : جميل .(13)الدعج : سواد العين .(14)في أشفاره وطف : في شعر أجفانه طول .(15)المحفود : الذي يخدمه أصحابه ويعظمونه ويسرعون في طاعته .(16)المحشود : هو الذي يجتمع إليه الناس .(17)المفند : الذي يكثر لومه .(18)حسن : أخرجه الحاكم ( 3 / 109 ) , وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (6 / 58 ) , ونسبه للطيراني وقال : وفي إسناده جماعة لم أعرفهم , وله شاهدان آخران من حديث جابر وأبي معبد الخزاعي ذكرهما الحافظ ابن كثير في البداية ( 3 / 92 , 194 ) , وابن سعد في الطبقات ( 1 / 230 , 132 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق